-->

العبور.. المجموعة القصصية للكاتب ناصر الجاسم- بقلم الأستاذة: فايزة اهويدي

 

العبور.. المجموعة القصصية للكاتب ناصر الجاسم


فايزة اهويدي

عرفتْ القصةُ خلال تاريخها الطويل أنواعاً من القصّ عديدة، ففي كل مرحلة من التاريخ كان القاص يجسد تجربة ما ويصور لنا حكاية وقصصاً من رؤيته وعالمه.

ولأن العنوان هو العتبة الأولى للنص كان لي وقفة وتساؤلات:

-ما لذي أراده الكاتب من العنوان؟

-هل هو العبور من ضفة إلى أخرى؟

-أم هو العبور من عالم إلى آخر "كنوع من ردة الفعل أو الاعتراض على واقع مأساوي سيء؟"

-أم هو عبور فكري للتخلص من العادات والتقاليد التي تسيء للإنسان نفسه في بيئة ومجتمع متمسك بها؟

من خلال قراءتي للمجموعة أرى أن الكاتب استطاع مزج الواقع والمتخيل، وصوّر لنا القرية بتفاصيلها وطقوسها من خلال الكلمة، واستخدم دلالات رمزية ووظفها مع اللغة، فحضر المكان بلغة شاعرية جميلة استطاع الكاتب من خلال توظيف اللغة الخوض بحرية وجرأة في القصة، فتهكّم على واقع اجتماعي كانت تحكمه العادات والتقاليد، إرث ديني تجرأ الكاتب بالتهكم على رجاله.

حملت القصص موروثاً شعبياً من بيئة صحراوية، استخدم فيها الكاتب تقنية الراوي، ليحمل لنا هذا الموروث ويوصله لنا بشكل اشبه بالمسرحي، من خلال الوصف، فحضر الوصف بشكل كبير (للمكان - وللشخصيات).

وإذا تأملنا الشخصيات نجد لها حضورها المميز والقوي، فالشخصيات حضرت بأسمائها في أغلب القصص.. "بشر"- غوث الزقاق...العجوز عايد-الصراصير تأكل لحمها.

فنحن أمام عدة حالات من النماذج البشرية التي تعبر عن واقع معاش وهي ليست شخصيات نمطية وليست شخوصاً مصطنعة فنجد الشخصيات (تحب وتكره تتألم وتحب تقوى وتضعف) وأعطت النصوص رؤى متعددة وعميقة تغلغلت في عمق النفس البشرية فكان لها أبعاد نفسية سبرت العمق الإنساني من خلال أفعالها وحتى المنطق الذي كونته بسبب واقع وجدته مفروضاً عليها، وخاصة أنها شخصيات بسيطة (قروية) فجاءت ردود الأفعال والتعامل من نفس البيئة لا مغاير لها فوجدنا (الحب.. الكره...العداء.. ورموز للخير والشر)

ووجدنا تعدداً لمشاعر الرجال للنساء، واختلافاً في نظرتهم لها، فهناك من رآها شراً (عزاء الأموات)، ومنهم من رآها الحياة (بشر. غوث الزقاق).

ولفتني لهذه المجموعة نهايات القصص، فغالباً ما كانت تأتي بشكل صادم غير متوقع، حيث تأخذ القصص منحىً آخر مختلفاً تماماً عن البدايات؛ فمثلا قصة (حبات الرمل) صور سردية ملاحقة، وصف متناهي الدقة:

 (رؤوس الكثبان الرملية المتعانقة تبدو من بعيد كهامات جند يركضون في جيش بدائي... الغبار تدوره الريح... أنوار السيارات تشق غمامة الغبار)

كما نجد الحكمة في جمل قصصية أخرى

(هدية الله لعبده أن يميته نائماً... النحس أقوى من كل الجيوش والحظ كذلك).

انعطافة مفاجئة في نهاية القصة مبنية على حبكة قاص متمكن من شخوصه:

(كان عبد الرحمن يتمنى الموت في حادث سيارة، لكنه مات ساقطاً على ظهر فرس اشتراها مني... بدأت انظر إليه في خوف وقلق... ثم استدار بكليته نحوي... التفت إليه لأجيب فإذا بي أرى وجه عبد الرحمن الميت)

وفي قصة ذاكرة المطر... تقريبا نفس الدقة في الصور:

 (الطرق الزراعية غارقة بالمياه الطافحة من قنوات الري... فساح روث الحمير المنبعث في الطرق مع القش والثمرات الفاسدة)

الابنة.. عشبة... ووصف الكاتب لها وللحظات الصبر في معالجة والدها من هول السيل وما علق به من وحول وأشواك... انعطافة أخرى:

 (وسألت عشبة في تشوق :من هي التي ماتت؟ أجاب الأب : أمك غرسة، ماتت وأنا مسافر إلى دارين لطلب الرزق).

 

 فايزة اهويدي

مارس 2023

 

 

TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

I am happy to read your opinion or suggestions

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *