-->

العبور المضطرب في مجموعة العبور للكاتب ناصر الجاسم- بقلم أ. عادل جاد

 العبور المضطرب في مجموعة العبور للكاتب ناصر الجاسم




كتبه: عادل جاد- مصر


يتعامل الناقد عادة مع السمات المشتركة للمجموعة القصصية، في محاولة لتلمس العالم القصصي للكاتب، والتجول في دهاليزه السردية. ونحن هنا بصدد نصوص مخادعة بدرجة كبيرة أهم ما يميزها هو حالة الاضطراب وفي أحيان كثيرة عدم التجانس أو الانسجام. دعونا نبحر قليلاً في عالم الجاسم القصصي:

- المفتتح دائماً في جميع النصوص وصفي، جملة اسمية تركز الوصف على شي ما، غالباً جماد، ويستفيض في الوصف مما يخطف بصر القارئ نحو نقطة محددة، ويجعله في الحدث، ثم ما يلبث أن ينتقل لنقطة أخرى، مثال: منفضة السجائر في نص (عزاء الأموات) – الطيور في نص (العبور) – قنوات الري الخرسانية في نص (الغريب) – الطرق الزراعية الغارقة بالمياه الطافحة في نص (ذاكرة المطر) 

- الحوار في النص بين شخصيتين أو بالأحرى صوتين مختلفين كل الاختلاف، وأحيانا يكون الحديث غير مترابط وكأن كل شخص يكلّم نفسه مثل قصة (حبات رمل)، ولا ندري كيف تحوّل الراكب إلى صورة عبد الرحمن الذي لم يراه الراوي من قبل؟ وفي نص (قارع الطبل وطائر الليل) الحوار بين مهنا وضيف الله يتسم بالغرابة ويتناول كل شيء، سرعة النفس وسرعة الضوء والكسوف وشهوة الرجال والمطر وسبب موت هتمي بسبب الضغوط.

- في النصوص دائما هناك رؤى متعددة ومغايرة مثل نص (الصراصير تأكل لحمها) رؤية الأب الشايب المحافظة والمضادة لرؤية حمد الذي يعيش حياة عصرية يخالط الكفار يلبس البنطلون ويأكل الهمبرجر ويجري كشف عذرية لبناته. وكذلك في نص (لحد في القلب) اختلاف النظر بين الشيخ العاشق القديم والقارئ للقرآن والغارق في السحر والجن، والشاب الذي يريد أن يعلمه النسيان.

- الصدمة في النصوص وافرة، وهي متمثلة في اختيار مواقف وصور وتعبيرات صادمة للذوق السائد، مثل نص (غوث الزقاق) يرسم صورة بشر البطل المختل والأقرب للمجذوب، تملأ قدميه الشقوق ويغمرها روث الحمير، وتأتي العصافير تقتات منه، وأيضا صورة الصراصير في نص (الصراصير تأكل لحمها)، ولا ندري العلاقة بين الصراصير وحمد الآن الذي يعيش حياة عصرية مختلفة عن والده. الصدمة هنا مقصودة وتشكل انتباه للقارئ حتى لو كدرت الذوق العام، وهي بمثابة استفزاز وكسر للمألوف، وإعادة نظر في السرد المحكي.

- قضايا عديدة تناثرت في النصوص: الفلسفة، الموت، المرأة، الجنس، الشهوة، العشق، الاختلاف، عدم الجدوى.

- عدم الاكتمال وغياب النهاية، نستشعر عدم اكتمال النص، ربما للدلالة على أن الحياة مستمرة وعدم وجود نهاية، ويؤكد شعور عدم اليقين.

- تم تكسير الحبكة ولحظة التنوير أو الذروة بالنص، في تجاوز واضح للسرد التقليدي، وفتح النص للتأويل وإعادة البصر.

- تهاتفنا رسالة من النصوص بأن العالم غير مؤكد.. ومفكك.. ومضطرب.. وغير مترابط.. أو منسجم مع نفسه، فكان لزاماً بأن يحمل السرد كل تلك الصفات ويتحوّل في بعض الأحيان إلى مطرقة على رأس القارئ.

في الختام هذه مجرد قراءة في نصوص ترفع راية الاختلاف، وتستوعب تأويلات متعدد ورؤى مغايرة.

عادل جاد 

الدمام – مارس 2023 



هناك تعليق واحد

I am happy to read your opinion or suggestions

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *