-->

صدور الكتاب المرجعي الأول من نوعه: أساطير من الأحساء، للأديب: عبد الله الشايب

 أشكر الأديب الباحث #عبد_الله_الشايب على تشريفي بتقديم كتابه المرجعي الأول من نوعه والمعنون بـ: #أساطير_من_الأحساء




أساطير الحسا الأولى


لا شك في أن الإنسان العربي القديم في واحة الأحساء مثله مثل الإنسان في أي بقعة جغرافية أخرى من العالم كان قادراً على التكيّف النفسي مع بيئته، سواء كانت ناعمة أو قاسية، باختراع القصّ، وفِي القص تكون السلوى وتوجد الحكمة وتؤخذ العظة والعبرة ويقدّم العلم، واستطاع أيضاً التعايش مع مخاوفه الغيبية المحسوسة وغير المنظورة، وأتقن إيجاد مبررات من العدم لحياة اجتماعية مطمئنة يحياها، وتفنن في صنع ثقافة الوهم التي تريحه من العناء الشخصي أو الجمعي، وإعادة إنتاج الثقافة التي يراها من المقدّس، وربما من فرط عشقه لهذه الثقافة قام بتحوير بعضها بما يناسب واقعه النفسي الصعب، وذلك بالاتكاء  على الموروث الديني، والغَرْف منه، واللوذ بأعلامه، خاصة (الأنبياءَ والرسل ونسلَهم والصالحين والصالحات والقديسين والقديسات) في صنع أساطيره الخاصة التي يكونون موضوعا لها بقدراتهم الخارقة أو تأثيرهم الكبير كطقس تعبدي إضافي لم يكن في متن الكتب السماوية، ومثله في ذلك مثل الإنسان بعامة في شرق الأرض وغربها، وهي أساطير  تغذي روحه القلقة، وتنأى به بعيداً عن التألم والضيق بالواقع السيء، وتجبره على الإيمان بما لا يرى، والرضا بالقدر، والتصديق بما يحدث له وعدم الاعتراض عليه.

 وهنا في هذا الكتاب يقدم الأديب الباحث في التراث الشعبي الأستاذ عبدالله الشايب، بمفرده وليس بمعية فريق من الباحثين، انتقاءً مميزاً - والانتقاء إعمال للذائقة الأدبية وتحريك لها وعملية فرز لما هو غير أدبي وغير إبداعي-  وجمعاً رائعاً وليس حصرياً أو نهائياً لأقاصيص أحسائية شعبية ذات مسحة أسطورية خفيفة، ولكنها لا تنهض كلها من حيث الفكرة والبناء والصياغة الشفاهية الأولى لها لأن تكون أساطير فنية خالصة، كأساطير حضارة وادي النيل  ووادي الرافدين والأساطير الإغريقية،  رغم تشابه بيئة الأحساء الزراعية ببيئتي وادي النيل ووادي الرافدين، ومع الأخذ في الاعتبار الاختلاف العقدي بين الثقافتين الوثنية والإسلامية وتاريخ منشأ وولادة هذه الأساطير الأحسائية، والذي أراه أنه ليس بعيداً جداً، فقد لا يتجاوز الأربع مئة سنة الماضية على أبعد تقدير.

جاء العنوان "أساطير حساوية" والذي من المفترض أن يكون أساطير من شرق الأحساء من باب الدقة العلمية، أقول هذا والأحساء كل لا يتجزأ مثلها في ذلك مثل وطننا الأكبر المملكة العربية السعودية.

 وهذه الأقاصيص التي بدا الحس الشعبي والعنصر العجائبي والغرائبي قوياً فيها، رغم الاجتهاد الواضح الذي بذله جامعها في صوغها بلغة فصيحة مع الاحتفاظ بكثير من المفردات المحلية التي تصنف كلهجة مكانية، وإصرارٌ على أن يكون اثنان من عناصر العيش (الأرز الأحسائي والخبز الأحمر) حاضرين ومشاركين في لُحمة أكثر من قصة، وكأن الباحث يريد بفعله هذا أن يؤسطرهما، أي أنها الآن تُقدَّم للقارئ وهي ليست في حالتها البكر كأقاصيص خام طازجة من فم الراوية الشعبي الذي يتصدر بها المجالس، أو من فم الحكواتي الذي يتزين بها في المقاهي ويحذف منها ما لا يريد ويضيف إليها ما يريد، أو أنها من إنتاج قائلها الأول الذي لا نعرفه، أو من صوغ مخيال جمعي لها شارك في نسج لُحمتها، هي أقاصيص منقحة وتبدو على حالتها هذه بذرة صالحة وجاهزة للمعالجة وللتشكيل الدرامييَن، سواءً الإذاعي منه أو التلفزيوني أو السينمائي،  وهي- للحق- أقاصيص نفيسة وموحية وملهمة ومحفزة للباحث عينه أن يجمع منها جزءاً ثانياً وثالثاً، وربما لغيره أن يكمل الجمع، ولها قيمتها المرجعية عند المعنيين بالشأن الاجتماعي والتربوي خاصة.

أَجِد فيها بجلاء ما يعرف أدبياً بقصة المَثَل كـراعي الدهن- البدوي والمحجال- فتل الرمل- شوي الصقر، أو قصة (بوق التمر) التي يمكن أن تصنف على أنها قصة بيت من الشعر، وقد سَمَتْ بعض هذه الأقاصيص إلى حد أن تشاكل أسطورة من الأساطير بمعناها الفني كقصة عين المتهومة- العروسة- طعيس- الزباخ- الخسف، إذا تمت معالجتها معالجة طفيفة جداً تنقلها من كونها قصة مثل أو عَلَم إلى أسطورة، والمثل والأسطورة كلاهما من السرديات القصيرة، ولكن المثل نوع أدبي والأسطورة نوع آخر، فثمة تباين بينهما، والثقافة العربية تقدّم المثل على الأسطورة وتذكره في أحاديثها الأدبية الرسمية والشعبية أكثر من ذكرها للأسطورة، وهذا الجمع السردي خير مثال على ذلك.


ناصر سالم الجاسم

29/ 7/ 1441 هـ


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

I am happy to read your opinion or suggestions

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *