-->

الحركة الحسية ومشاعرية الحدث في قصة "كائنات الحرمل" لناصر الجاسم- قراءة: بنت الريف فاطمة الدوسري

 


الحركة الحسية ومشاعرية الحدث في قصة "كائنات الحرمل"

من المجموعة القصصية التي تحمل نفس الاسم للأديب ناصر الجاسم..




قراءة انطباعية  لـ: فاطمة الدوسري "بنت الريف" - السعودية


عندما يلهب السرد القصصي مشاعرنا ونحن نشاهد تجاربنا تنطق وتخرج من كياناتها المحتدمة داخل النفس إلى فضاءات أكثر حرية وإن كانت خيالاً يتنفس، نتعجب من لحظة الرصد والتصوير، وأرق الحرف الذي نفض قلقه على صدر ورقة لتسافر عبر الأثير إلى عقول كثيرة تقرأ وتستمتع وتفكر.

في قصة "كائنات الحرمل" نص قصصي يحمل القارئ على موجة حسية تعلو وتنخفض بناءً على احتدام المشهد وانطفائه.

تظهر الحركة الحسية من بداية النص" ذَكَر اليمام… يجعل المساء جميلًا حين يسجع بحب وبلحن واحد ترجمته: ياكريم ، ياكريم"

بلوغ النفس تلك الشفافية، والتماهي بروحانية عالية بالمحيط وترجمته.

الارتباط العميق بين مشاعر بطل النص وتسبيحات اليمام كما ترجمها وهو يتدحرج بلا وعي في فضاء آخر وينكب على المبخر ورائحة الحرمل تمخر عباب رأسه وتبتر ذكريات مؤلمة وتطوّح بها خارج أفق الشعور اللحظي وسط الدخان.

الاسترخاء والشعور بالراحة بعد استنشاق دخان الحرمل تحمله لنا هذه الصورة الجميلة" وانهدلت عنقي على فوهة المبخر".

ويتصاعد النص في جمال التصوير الحسي والمشهدي للحركة ويرصد المزيد؛ حجر الشب الذي ينتفخ بفعل حرارة الجمر ويكوّن فقاعة كبيرة تجسّد لبطل قصتنا وزوجه عين "عسار" وهي تمور بالحقد والحسد.

مبادرة الزوجة لإحضار إبرة لفقأها ليموت الحسد.

نص يجسد تلك الخرافات العالقة في الأذهان وقوة الحرمل في القضاء على الحسد، وطرد الشياطين.

نقترب من حقيقة الاعتقاد من خلال الحوارات بين بطل النص وزوجته، ومعاناتها هي الأخرى من حسد صديقتها" ود" التي لا تضمر لها الود أبدًا.

ونلملم أطراف القصة في نهايتها بمعرفة الشعور الدفين والأحاسيس التي لم تبرد داخل بطلنا وهو يرى عين حبيبته التي لم يرتبط بها بسبب حسد "عسار". مفاجأة قلبت الموازين وأوضحت سر اضطرابه.

أسلوب سردي فاخر، تطرزه لغة شاعرية عذبة خففت من وطأت الحدث، وغيمة دخان كثيفة تحجب البصيرة عن حقائق الحرمل وسرّه في نفث الشعور بالراحة النفسية والاسترخاء الجسدي بفعل "الدوبامين" الذي يحفز دخان الحرمل الدماغ على إفرازه بكميات عالية.

ومن المعروف أن استخدام الحرمل كوسيط للعلاج معروف في ثقافة الإغريق القديمة وأكاد أجزم أن البيوت في أنحاء كثيرة لا تخلو منه على امتداد مساحة الوطن.

فقد عادت بي الذاكرة إلى شعاب مررت بها ذات يوم يملؤها نبات الحرمل الدائم الاخضرار، واعتقاد ساد في قريتنا أنه يطرد الأرواح الشريرة من المكان، وكان يطلق على هذا العلاج الشعبي "النقذ" وتردد الأمهات" النقذ ينقض الشر".

قد يتوارد للذهن أن فكرة النص عن الحسد والعين مطروقة في نصوص كثيرة إلا أن الأسلوب السردي هنا مختلف.

يقول الفيلسوف الفرنسي رولان بارت:

"إنّ الإبداع والأصالة لا تنحصران في أفكار جديدة، بقدر ما تنحصر في التّأليف بين أفكار قديمة، أي أنّنا نعيد ذواتنا والآخر بشكل جديد".

وعودة إلى النص الذي يظهر اهتمام أديبنا ناصر الجاسم وعنايته البالغة بالصياغة السردية الدقيقة، واستخدام الأدوات اللازمة التي تعطي النص زخمه الخاص ونكهته المميزة..

التقاطات جمالية من النص:

- "كبرت عين عسار في فوهة المبخر"

- "وفي اللحظة الحاسمة طعنت عين عسار بالإبرة وانفقأت"

- "تصورت أنني داخل خيمة رمادية… … وحدي مع كائنات الحرمل"

إن الصّور التي ندركها عن طريق الحواس صور مدهشة، تلك التي تعانق عواطفنا وأحاسيسنا؛ فالحواس هي الوسائل التي تغذّي ملكة التصوير والخيال لدى الكاتب.

النهاية المدهشة التي ابتدأت وانتهت مع سجع ذكر اليمام وطوقه الجميل، الذي أثار زوبعة الذكريات ورؤية عين الحبيبة" مروج" في المبخر، جذوة لم تخمد ذكراها رغم مرور السنين.

قراءة على هامش نص يحمل في متنه الكثير، يصل بنا إلى حد المتعة والاستفادة وتدوير الأفكار وتحليلها من زوايا أخرى، في رحاب سرد ناصر الجاسر شيء يتفرد به ويحمل بصمته الخاصة.


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

I am happy to read your opinion or suggestions

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *