-->

الزوراء العراقية تحاور القاص والروائي السعودي ناصر سالم الجاسم

 صحيفة الزوراء العراقية 

تحاور القاص والروائي السعودي

 ناصر سالم الجاسم



صحيفة الزوراء العراقية، العدد 7767 31 يوليو 2022م
حاورته الأديبة اللبنانية: فاطمة منصور


الأديب السعودي ناصر سالم الجاسم لثقافية الزوراء
كاتب القصة القصيرة هو كاتب الجنس الأصل



* يقول البعض ان الرواية تعيش عصرها الذهبي بينما نجدك مهتما بكتابة القصة ، رغم مهارتك العالية في كتابة الرواية .
- الحالة الكتابية الإبداعية لديّ ليست تشريفاً أو امتيازاً لجنس أدبي دون غيره، أو أنها تأتي بقرار قبلي، وليس فيها أي نوع من أنواع التفضيل الظاهرة أو الباطنة، المعلنة أو المخفية، هي فكرة باختصار تأتي غالباً مفصّلة على مقاس شخصية، شخصية لها نمط حياتيّ وسلوك معروف تكون هي البطلة دائما، وهذان العنصران (الفكرة والشخصية) يحددان غصباً جنس الكتابة السردية ومسارها، فليست أي فكرة تصلح لأن تكون فكرة روائية وكذا الحال بالنسبة للقصة القصيرة لها ما يلائمها من الأفكار.

*  للمكان سطوة على معظم قصصك ورواياتك ، هذا ما نجده واضحا في مجموعتك ( الموت في المدينة ) وفي روايتك ( الغصن اليتيم ) .
- المملكة العربية السعودية وطن ذو بيئات متعددة ومتنوعة، والثورة السردية القصصية والروائية كائنة ومتحققة لدينا في كل البيئات، فلم تعد بيئة الحجاز هي البيئة الأدبية الوحيدة في السعودية، فقد كان ذلك في زمن مضى منذ مدة بعيدة، وبعد هذه البيئة ظهرت ثلاث بيئات أدبية جديدة وإن لم يكن ظهورها في وقت زمني واحد، وأعني بذلك بيئة الأحساء الأدبية وبيئة وسط المملكة العربية السعودية (نجد) وبيئة المنطقة الجنوبية، وقد كان طابع السرد في هذه البيئات الجديدة في أوله ريفياً قروياً زراعياً، ويظهر ذلك بجلاء عند كتّاب القصة القصيرة في المنطقة الجنوبية، ولكن تجد القصة القصيرة المدنية الحديثة التي تقدّم واقع المدينة الجديدة ماثلة بجلاء عند كتاب القصة القصيرة لدى عموم الكتّاب في الوطن منذ بداية الثمانينيات الميلادية حتى اليوم.
ومكاني الأحساء ووطني الكبير السعودية هما كنزي الإبداعي الذي أفاخر به، وخزان أساطيري الواسع، ومستودع شخصياتي الكبير جدا، والحقل الذي يغذّي مخيلتي بأروع الأفكار ويلهمني بأعذب السياقات اللغوية، مكاني هذا شاعري جدا، وثري بكل ما هو إبداعي وجميل ومؤثر وخلاق، فخصوصية سردي وتميزه ما كان لها أن تكون لولا أنني سعودي الهوية ومكان ميلادي مدينة اسمها العيون تابعة إدارياً لمنطقة الأحساء، لذلك تجدين المكان في أعمالي الأدبية شاخصاً فيها وحاضراً بجلاء، وستعرف بيئة النص وتحدد انتمائه حتى لو لم يُمهر باسمي.
والإنسان في الأحساء هو الإنسان ذاته في كل مكان وزمان، الفرق أنه في الأحساء يبدو كائناً شعرياً، عفويَ الطابع، مسالماً إلى حدّ كبير، عاشقاً غير عادي للأرض وللماء وللنخلة وللطير، ينبذ العنف وكأنه غير موجود في يومياته أو في معجم حياته. هي ثقافة توارثها الإنسان في هذه البقعة الطيبة المباركة منذ مئات السنين، ثقافة جميلة جعلتنا نظن أنها إحدى مكونات دمه، أو أنها جين وراثي ينتقل عبر الأجيال.


* يعتقد البعض ان كتابة القصة القصيرة هو الفن الاسهل عندما نقارنه بفن الرواية ، ما رأيك في هذا القول ؟
- كاتب القصة القصيرة هو كاتب الجنس الأصل، الذي تفرعتْ منه أجناس سردية أخرى، ولأن من يكتب جنس القصة القصيرة فإنني أرجم بالغيب وأقول: إنه قادر على أن يكتب الرواية والمسرحية والقصة الطويلة والمقامة والقصة القصيرة جداً، فالقصة القصيرة جنس مرن، جنس يستطيع الكاتب أن يطوّع فيه لغته ومهارته وأفكاره حسب درايته بعناصره الفنية وبقالبه السردي، كما يمكنه التحرر من هذا القالب إلى عالم الرواية الرحب أو أن يرتدّ ويقوقع نفسه في القالب الفني الصغير جداً، قالب ق. ق.ج، أو يفلت من سجنه وإساره ويقع في غرام الحوار المسرحي.
و القصة القصيرة فنٌ يتناسل تاريخياً، فنٌ عابرٌ لذائقة الأجيال القرائية، فنٌ صامد لأكثر من قرنين من الزمان، يخبو وهجه لكنه لا ينطفئ، يمرض ولكنه لا يموت، يبدو أنه يستحق أن نسميه الفن الدائم أو الفن المعمّر، فقد عاش طويلاً ويبدو- لجاذبيته ولتمتعه بصحة جيدة- أنه سيعيش لفترات زمنية قادمة. لقد رأيته مع فن الرواية في مضمار سبق، الرواية فقط كانت تركض بسرعة أكبر وكانت تقطع المسافة في زمن أقل، ولكنه يصل بطيئاً إلى خط النهاية دون أن يسقط أو يتعثر في ركضه. 





*  الكتابة وجع ومخاض ، كيف تتعامل مع وجعك الداخلي وانت تمارس الكتابة ؟ وما هو شعورك عندما تنتهي من كتابة النص ؟

- الألم الإنساني، وجمال الطبيعة، والإبداع البشري، وجمال الإنسان نفسه، هذه المحددات الأربع هي البواعث والحوافز المهمة، ويكون في داخلها قائمة صعبٌ إحصاؤها من الأشياء والتفريعات، تلك هي حقولي التي أدرج فيها كالطفل يكتشف كل شيء مخبأ عنه في المحيط الذي هو فيه، وأمارس الكشف فيها كرجلِ كشافةٍ وحيدٍ في غابة، يُعمل حواسه كلها، وبطاقةٍ تشغيليةٍ مضاعفة يوصلها إلى حدّ الإجهاد.

*  كيف تنظر الى القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية قياسا بالقصة العربية ؟
- الكتابة السردية لدينا إجمالاً في الفترة الأخيرة تنمو رأسياً باجتهادات فردية يقوم بها محبون للسرد بالفطرة، أو مغامرون سرديون إن صحّ التعبير، وهي تأتي على أشكال ثلاثة، الشكل الأول: فئة تمارس الكتابة السردية من خلال تعلمها في الصفوف الدراسية بشكل نظري وتطبيقي، أو تعلّمها عن بعد عن طريق دروس الإنترنت، وهي الفئة الظاهرة على السطح أو الغالبة. والشكل الثاني: فئة اتخذت مبدأ التعلم عن طريق المحاكاة والتقليد الذاتي بالقراءة لأعلام ورموز الكتابة القصصية والروائية في العالم، والميل بشكل واضح نحو أدباء أمريكا اللاتينية وأدباء القارة السوداء ونحو الفائزين بجائزة نوبل والبوكر والروائيين الجدد من الصين والهند وكوريا واليابان، مع تراجع الرغبة في محاكاة كتّاب العرب البارزين كنجيب محفوظ ويوسف إدريس وأدباء الروس البارزين كتشيخوف وتولستوي ودوستويفسكي وغيرهم.
والشكل الثالث: مَن بقي من كتّاب الجيل القديم وكتّاب السبعينيات حتى نهاية التسعينيات، منهم من توقف عن الكتابة القصصية وتحول إلى الرواية، ومنهم من ظل يمارس الكتابة القصصية على نفس وضعه السابق من دون تغيير في مستواه الفني، ومنهم من جدد في كتابته القصصية وتقاناته السردية وزاوج بين كتابة القصة والرواية وربما المسرح أيضاً.
وقد ظهر في العقد الأخير ما يعرف بالورش القصصية التي تقام في أكثر من جهة أدبية أو تعليمية وفي الكليات الجامعية، ولكن مع كل ذلك بقي أمر ظهور الكاتب العبقري شحيحاً، فعندنا تقريباً في كل عشر سنوات يظهر كاتب مبدع أو كاتبة مبدعة في القصة القصيرة تحديداً.


* كيف تتجلى صورة المرأة في قلمك القصصي والروائي ؟
المرأة في كتاباتي السردية مادة خام أصيلة ونفسية، ويحق لي أن أفاخر بأن شخصياتي القصصية الأنثوية التي شكّلتـُها شخصيات مميزة ونادرة، ويمكن اعتبارها نماذج إنسانية خالدة في الأدب؛ فهي شخصيات طريفة أولاً، وشاهدة على مناخ اجتماعي ظهرت فيه، وتعبّر عن أزمان ماضوية لم يُتح للجيل الحالي وللأجيال الماضوية وربما للقارئ في مناطق أخرى من العالم أن يتعرّف عليها؛ شخصيات نسوية حملتْ أفكارَ بيئةٍ سعودية إجمالاً، وبيئة الأحساء تحديداً، هي عنوان للمرأة العربية الشرقية في تقلّباتها النفسية وفي انكساراتها الشخصية، وكيف هي حين تكون تحت الضغط الذكوري، وكيف هي حين تعاني من السلطة المجتمعية. وتبدو المرأة في جانب آخر الركن الأساس الذي يقوم عليه السرد، وليس شرطاً أن يكون حضورها ديكورياً مشهدياً يأتي عبر وصف حسي ينال جمالها الظاهري ويغفل عن أثرها المعنوي في الحياة بإطارها العام.

*  كيف ترى العلاقة بين المؤلف والناقد في عصرنا هذا إلى الإتيان بها عمداً في كتابته؟.
- النقد- ليس لدي وحدي ولا عند النقاد السعوديين كافة- لم يواكب الطفرة الإبداعية في المملكة العربية السعودية، بل إنه متخلف كثيراً عنها، ويمكن أن نصف البون بينهما بأنه واسع جداً رغم وجود كثير من الأسماء المجتهدة التي لم تكفّ عن ممارسة الفعل النقدي من بدايتها منذ ثلاثين سنة حتى الآن، ولكنها لا تستطيع أن تسد هذه الفجوة، ذلك أن الأدباء والأديبات الذين يولدون لدينا يفوق عدد مواليد النقاد والناقدات، بينما إنه لا يصحّ المقارنة بينهما من حيث العدد، ولكن ثمة ظاهرة تدعو للتفاؤل وتبشّر بنهضة مستقبلية في هذا الشأن على مستوى النقد الأكاديمي تحديداً، ذلك أن عدداً كبيراً جداً من موضوعات رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات السعودية تُسجل عن أدباء وأديبات سعوديين.
وكل ناقد كَتب عني قد أبان جمالاً محدداً، وتعدد النقاد الذين درسوا أعمالي أكسبني شعوراً بالرضا أيضاً، ذلك أن جماليات الكتابة لديّ في هذه الحالة تكون كثيرة، وشكراً جزيلاً لجميع النقاد الذين تفضّلوا بدراسة أعمالي، وجمال أدواتهم النقدية ساهم كثيراً في التسويق لاسمي الأدبي، إنني أحترم كل ناقد درس عملاً لي، لأنه في الأصل قد احترم عقلي واحترم عاطفتي، ولابد في هذه الحالة أن تتخلق عاطفة الحب في نفسي تجاهه.
وأعتقد أنني محظوظ جداً بالنقاد الذين تصدوا لأعمالي؛ فأسماؤهم كبيرة على مستوى بلدانهم، ومنهم مَن هو معروف على مستوى عالمنا العربي، وممارستهم النقدية طويلة، وجُلّهم من الأكاديميين والموهوبين والمشهورين في مجالات تخصصاتهم الكتابية في الشعر وفي الرواية.

للاطلاع على المصدر هنا


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

I am happy to read your opinion or suggestions

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *