-->

رأي الناقد الدكتور حسن حجاب الحازمي في سرد ناصر الجاسم

رأي الناقد الدكتور 

حسن حجاب الحازمي 

في سرد ناصر الجاسم

 



 

قراءة انطباعية للدكتور الناقد حسن حجاب الحازمي خلال الأمسية القصصية التي أقامتها ديوانية الأدب والثقافة بإشراف الأستاذ محمد المنصور الحازمي بتاريخ: ١٤- ١٠- ١٤٤٢هـ \ ٢٦- ٥- ٢٠٢١ م.


الأديب الصديق ناصر الجاسم يكتب في فنون متعددة، وله كتاب نقدي مهم في الرواية عن روايات إبراهيم الناصر، ورواية "الغصن اليتيم" التي فازت بجائزة أبها الثقافية ومجموعة قصصية بعنوان "النوم في الماء"، وله مجموعات قصصية وروايات أخرى، هو كاتب متعدد المواهب والتجارب، وقد وقفنا الليلة على تجربته في القصة القصيرة، وكما قلت فقد حرص على أن يقدّم القصة القصيرة في ثوبها المعروف، وبعض الناس أروا أنه أطال، وفي الحقيقة هو لم يُطِل، فهذا هو حجم القصة القصيرة ما بين 4 إلى 8 صفحات، بل إن الكتاب الكبار القدامى مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس كانوا يكتبون قصصاً قصيرة تتجاوز الثلاثين والأربعين صفحة، لكن في الفترة الأخيرة أصبح حجمها المعقول بين 4 إلى 8 صفحات، وقصص ناصر الجاسم التي قرأها الليلة في هذه الحدود الكمية.

كتابة ناصر الجاسم كتابة شائكة، والقراءة أيضاً ستكون حذرة لأسباب سأذكرها لاحقاً، لكن الراوي عند ناصر الجاسم راوٍ جريء، جريء في لغته التي تصل أحياناً إلى درجة الجسدية المباشرة، وجريء في نقده للحياة بصورة قوية، وجريء في موضوعاته التي يطرحها، ولكنه أيضاً رمزي لا تُقرأ نصوصه بهذه البساطة ولا ما تظهر عليه نصوصه في السطح، فهناك بنية سطحية ظاهرة تقولها النصوص، وهناك بنية عميقة رمزية تكتشف من خلال القراءة والمزيد من القراءة.

يوجد ملحوظة هي أن نصوص ناصر الجاسم الثلاثة [هذه الليلة] جاءت كلها بضمير المتكلم، وضمير المتكلم قريب من القارئ لأنه يشعر القارئ أن البطل هو القاص نفسه، أو بأن البطل يحدّثه مباشرة، وهذا ملمح حاضر في نصوص ناصر الجاسم.

سنلاحظ في القصص الثلاث (النجس، البازار، الموت الحمر) أن الراوي بضمير المتكلم يبدأ من لحظة زمنية معينة ويتوقف، فزمن السرد قصير جداً، في "النجس" لحظة لقائه بعزيز والكلمة التي قاله لها "إذا بغيت تتنجس تنجس عدل (زين)" وهذا على وزن إذا أردت أن تسرق فاسرق جملاً، أي لا تكتف بنجاسة صغيرة بل كبيرة، لكن البطل من هذه اللقطة أو اللحظة بدأ يستعيد قصته الطاهرة والعذرية مع حبيبته التي تزوجت رغماً عنها، والتي طلبت منه ألا يحاول إغواءها وأن ينساهما وأنهما سيلتقيان في الجنة، فالقصة مبنية على الصراع بين النجاسة والطهارة، بين العفة والرذيلة، ومن سينتصر في النهاية؟ لو لاحظنا اللغة المعبّرة التي كُتب بها النص- رغم جرأتها ورغم خدشها للحياء ورغم مباشرتها الجسدية- سنجد أن الطهر سيتغلب على النجاسة، بدليل أن البطل قرر أن يكون وفياً لطهره ويحلم بلقاء حبيبته في الجنة، وبدليل أنه يقدّم أيضاً الشخصية الشريرة أو الشخصية النجسة بأسوأ العبارات التي تنفّرك منه.

لو نظرنا إلى قصة "البازار" أيضاً لوجدنا أن الراوي يبدأ من لحظة دخوله للسوق، لكن لدي ملحوظة هي أن هذا الراوي بضمير المتكلم لا يستطيع أن يروي إلا ما يراه أو يسمعه، ولا يستطيع الدخول إلى أعماق الشخصيات الأخرى أو في خفاياها، فالجوالات في أيدي الشخصيات الأخرى من خفاياها لا يمكن أن يعرف ما المقاطع التي يبثّونها ويرسلونها إلى بعضهم البعض، لذلك كان هذا تدخّلاً من الراوي في غير مكانه، لكن يمكن أن نلتمس مخرجاً لهذه النقطة ونقول إنه بحكم ما يعرفه الراوي من الواقع من خلال الرسائل المكررة توقّعَ أو هجسَ بمثل هذه الرسائل، لكن البازار لم يكن سوقاً عادياً، بل سوقاً ضاجّاً بالحياة، الحياة المعيشة حياة السوق، والحياة السياسية والحياة الاجتماعية، وفيها التقاطات ذكية جداً، وفيها نقد للواقع الاجتماعي والسياسي كبير جداً، وفيها أيضاً شخصية مريضة موسوسة تخاف من السحر وتتهم شخصاً آخر بأنه سيسحرها، وتقسو على هذا الشخص وتصوره في أبشع صورة بلغة قاسية وعجيبة. لكن إجمالاً النص مبني وفق بناء القصة القصيرة جداً التي تركز على لقطة أو موقف من الحياة وتقدم بصورة ممتازة، والتداعيات الحرة في ذهنية البطل حاضرة بشكل ممتاز.

"الموت الحمر" قصة عجيبة، وأيضاً نطقها (الحَمَر) لم يقل الموت الأحمر، أرادها كما تُنطق شعبياً أو في العامية، وهي جملة شائعة عند العشاق (ذي موت حمر) فقدّم صورة ليست للبطل العاشق لتلك البدوية ولا لنهديها، قدّم صورة لكل أنثى جميلة ومؤثرة ومغرية، وفي المقابل لكل العشاق المجانين الموتى في الحب، لكنها صورة فانتازية لأن البطل يتحدث وهو ميّت ويلتقي بميّت آخر هو "منحول" وهو رمز لكل العشاق الذين نحلهم الحب، ويتحدث إلى موتى آخرين بأسباب الحب، فهي قصة جميلة ومعبرة وقدّمت بصورة فنية عالية. وكما قلت نصوص الأستاذ ناصر الجاسم لا تٌقرأ من أول قراءة ولكنها تحتاج إلى تعمّق كبير لنعرف ما الذي يختبئ خلف الطبقة الظاهرية للنص، فهناك دلالات عميقة ورمزية تدخرها نصوصه.

هناك 4 تعليقات

  1. كلمته توثيق حميل من الصظيق الوفي وللقلص والروائي باذخ الثراء والناقد ناصر الجاسم ..لقد كان نجم الأمسية مع القص محمد المدخلي التي اعدها استثنائية ... ولسعادة الدكتور حسن حجاب الخازمي الذي أصاف إليها بهاء

    ردحذف
    الردود
    1. فعلا. قصص الاستاذ ناصر الجاسم قصص عميقة في بعديها ( السطحي والعميق ) وأشكر الأستاذ حسن حجاب على قراءته الواعية وأشاطره الرأي حيث يقول : " ولكنه أيضاً رمزي لا تُقرأ نصوصه بهذه البساطة ولا ما تظهر عليه نصوصه في السطح، فهناك بنية سطحية ظاهرة تقولها النصوص، وهناك بنية عميقة رمزية تكتشف من خلال القراءة والمزيد من القراءة... " فعلا هذه القصص في حاجة لناقد يملك نظرة فلسفية عميقة تمكنه من ولوج عمق هذه القصص حينها سنكتشف الكثير من الجمالية التي صيغت بحرفية كبيرة

      حذف
  2. الايتاء ناصر الجاسم اديب مرموق ، قاص وناقد وروائي
    والأمسية كانت استثنائية وبقراءة د. حسن حجلب الإنطباعية زادتها بهاءً.

    ردحذف
  3. الاستاذ ء ناصر الجاسم اديب مرموق ، قاص وناقد وروائي مميز والأمسية كانت استثنائية وبقراءة د. حسن حجلب الإنطباعية زادتها بهاءً.

    ردحذف

I am happy to read your opinion or suggestions

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *