-->

قصة أعجبتني: بارقة اليأس، للكاتبة المصرية المبدعة "هدى توفيق"


قصة أعجبتني
بارقة اليأس



بقلم: هدى توفيق

كان متوترًا ومترددًا حتى قال بنصف ابتسامة:

_ أنت أول فتاة تتحدث معي دون غرور وتعالٍ.

قلت:

_ وهل هن يتعمدن هذا معك؟

قال بتلاهٍ:

_ لا أعرف، لكن من شروط العمل في مشروع ( أوبر) ألا يكون السائق سيئ الخلق، وعلى السائق ألا يتحدث مع الزبون، إلا إذا تحدث معه. وممكن أن يحدث هذا بالصدفة، وتكون من طبيعة السائق أو الزبون، الجمود، والغطرسة، دون أمل في أي حديث أو تلاقٍ نفسي، وإلا حذف التطبيق مباشرة. لكني لست أي سائق، أنا متعلم وأهوى قراءة الكتب وبخاصة التاريخية.






قلت بحذر:

_ إذًا لِمَ لا تعمل في عمل يليق بعلمك وثقافتك؟

نظر محدقًا لي في المرآة نظرة ثابتة ثم انشغل في مسار الطريق حتى قال بيأس:

_ أنا خاطب، لكن لن أتزوج إلا حين أجد عملاً يناسبني. أنا طوال اليوم في الشارع، أستمتع بالسواقة جدًا، لكني محروم من التمتع بالحياة.. ثم قال بنصف ضحكة: لست سعيدًا، لكن ماذا أفعل؟! أفضل من الجلوس على المقهى، أو أكون إرهابيًا أو عاطلاً! واستطرد محاولاً طرد اليأس من جوارحه وقد طلب مني أن أفتح الزجاج الذي بجانبي، معلقًا بهدوء:

_ في هذا الوقت تهدأ المدينة إلى حد ما، وتستطعين رؤية المباني دون اكتظاظ البشر بها، وقد انزاح وقت الذروة.

قلت بإعجاب:

_ يبدو أنك تدرك أسرار الشوارع، فهذا الطريق لم أطرقه من قبل، وقد أدخلتني من شوارع أخرى تستحق النظر والفرجة والتمتع بما فيها.

_ نعم، أعشق المسالك والدروب البعيدة عن ذاكرة السائقين العاديين. وأردف قائلاً بثقة وقوة: أنا أعشق التاريخ بمعنى أصح، وأبحث عن القديم والباقي من طلله، رغم مرور السنين، لأستكشف أشياء، ربما لا تجود بها الأيام القادمة من حياتي، عندما أجد عملاً آخر وأتزوج، ويصبح كل ما مر في ذاكرة التجربة، والماضي، والذكريات. ثم قال ضاحكًا ومتواضعًا: إطلاقًا أنا مجرد سائق أوبر يبحث عن عمل آخر وفتاتة منتظرة، وقد يئست من طول الانتظار وبناء عش الزوجية والسعادة. 






قلت: إذا كانت تحبك ستنتظر.

قال: تعرفين ماذا كانت الفتاة في مصر القديمة تفعل عندما تشعر باليأس؟

قلت بابتسامة: ماذا؟

قال بشاعرية:

_ تتألم وتتألم حتى يئن قلبها ثم تسمع قلبها يبث فيها الأمل فيقول لها: (لا لا تنسحبي، لقد كدتِ تصلين إلى الهدف...) هذا ما يقوله قلبي عندما أفكر فيها... فيا قلبي لا تتركني للأسى.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

I am happy to read your opinion or suggestions

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *